منذ وصول دونالد ترامب إلى السلطة ازداد الضغط والتوتر ما بين الولايات المتحدة الأمريكية والجمهورية الإسلامية (إيران) فيما يخص الملف النووي الإيراني، وملف رفع العقوبات، فضلًا عن النفوذ الإيراني في منطقة الشرق الأوسط والدعم الإيراني للفصائل المسلحة في العديد من البلدان العربية.
وفي العودة إلى طبيعة المفاوضات بين الولايات المتحدة الأمريكية والجمهورية الإسلامية إيران، اتسم أسلوب التفاوض الأمريكي مع طهران بالسعي للتوافق وخلق فرص تمكن إيران من إعادة رسم دبلوماسيتها وفق ما يحقق الاستقرار والأهداف الأمريكية في المنطقة، اتفاق عام 2015 بين الولايات المتحدة الأمريكية وإيران, ففي اتفاق 14 تموز 2015 بين واشنطن وطهران، توصلت كل من الصين وفرنسا والمانيا وروسيا والمملكة والولايات المتحدة والاتحاد الاوروبي وإيران الى خطة عمل شاملة مشتركة 5+1 لضمان ان يكون البرنامج النووي الإيراني سلميًا حصرًا، وتشعر الولايات المتحدة الأمريكية أنها أخطأت في إفساح المجال أمام طهران في مجال توسيع برنامجها النووي، ما أعطاها القدرة على تكثيف دعمها لهذه المجاميع الإقليمية.
بالمقابل وافقت إيران على عدم إجراء أبحاث أو إعادة معالجة الوقود المستهلك أو بناء مفاعلات إضافية للماء الثقيل أو تجميعه، وإيقاف منشأة فوردوا عن إجراء تخصيب اليورانيوم على الأقل لمدة 15 عام وضمن الاتفاق تحويل المنشأة إلى مراكز للتكنولوجيا النووية، لربما إيران تستمد أملها بالتفاوض مع واشنطن من أن الأخيرة من الممكن أن يصل إلى مذكرة تفاهم قد تمنح طهران الفرصة لتجنب الضربة العسكرية او مزيد من العقوبات.
وبطبيعة الحال نرى أن دبلوماسية طهران متذبذبة في تفاوضها مع واشنطن فهي من ناحية تصف بأن تفاوضها يسري بشكل جيد وبناء، ومن ناحية اخرى نراها تضع بعض الخطوط الحمراء في ما يخص برنامجها النووي ودعمها للمجاميع المسلحة، إذ أعرب المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية عن اعتقاده إن واشنطن دخلت في هذه التفاوض بناء على نفس التعليمات الي كانت لديها، وأوضح أن إيران تقوم بالحوار مع الجانب الأمريكي بشأن القضية النووية ورفع العقوبات وفقًا لتوجيهات النظام والتزامًا من قبل وزارة الخارجية بحسب وكالة تسنيم الإيرانية للأنباء، مقابل اصرار واشنطن على تنفيذ برنامجها في مناطق الشرق الاوسط واستمرارها بالضغط على طهران، نرى أن الاخيرة تحاول التهدئة والسلم وترفض الدخول بالحرب كما أن طهران تسعى إلى خلق مفاوضات ودية مع الجانب الامريكي والحصول على نتائج مرضية اقليميًا.
وفي المفاوضات التي جرت بين واشنطن وطهران في 8 مايو 2018 اعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب انسحاب الولايات المتحدة الأمريكية من الاتفاق النووي مع إيران، وفي أيلول 2019 اعلنت واشنطن فرض عقوبات على اي دولة تتعامل مع إيران او تستورد النفط الإيراني، وشدد ترامب العقوبات وأمر وزارة الخزانة بتشديد العقوبات وربما تعود هذه العقوبات على عدة نقاط منها، ردًا على الهجوم المشتبه الذي شنته إيران على مرافق النفط السعودية الرئيسية، واستهدفت العقوبات ايضا البنوك المحلية الإيرانية، وفي 21 شباط 2020 وضعت إيران على القائمة السوداء الخاصة بمجموعة العمل المالي، وفي 14 آب 2020 رفض مجلس الأمن قرار الولايات المتحدة الأمريكية بتمديد حظر بيع الأسلحة لإيران على خلفية نص اتفاق عام 2015 حول انهاء فترة حظر بيع الأسلحة لإيران في 18 تشرين الأول 2020، وبعد انتهاء المدة المحددة يسمح لإيران بشراء الأسلحة من المصادر الخارجية.
وجاءت نتائج اللقاء الاول في سلطنة عُمان غير مستقرة فهناك من يرى أن المفاوضات انتهت في اجواء بناءة ومهنية، حيث قالت المتحدثة باسم الحكومة الايرانية فاطمة مهاجراني "إن بلادها تتبع مسار الدبلوماسية بهدف رفع العقوبات الاميركية وتخفيف الضغوط عن الشعب الايراني"، يناظرها تصريح الرئيس الاميركي دونالد ترامب على متن الطائرة بان الجولة الأولى من المفاوضات تمضي على نحو جيد.
وعلى الرغم من أن القرار الأمريكي بإنهاء البرنامج النووي الايراني يحظى بتأييد اسرائيلي وإقليمي الا أننا نلاحظ أن طهران تبدو أكثر استعدادًا للحفاظ على مصالحها واستمرار برنامجها النووي وعلى ان الحوار يجري ضمن مصلحتها وهذا لا ينسجم مع قرارات واشنطن غير الثابتة.
وجدير بالذكر أن المدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية زار طهران في نيسان 2025 لبحث التعاون في البرنامج النووي في ظل توتر العلاقة بين الطرفين مع تمسك ايران بحقها في تخصيب اليورانيوم، من زاوية اخرى اوضح وزير الخارجية الايراني أن حق طهران في تخصيب اليورانيوم غير قابل للتفاوض خلال المحادثات مع واشنطن، في حال اصرار طهران بتخصيب اليورانيوم قد يؤدي الى توتر المفاوضات بين الطرفين لكون الولايات المتحدة الامريكية متناقضة في تصريحاتها وهذا ما يعرقل التفاوض فيما بينهم بحسب تصريح وزير الخارجية الايراني. الا ان طهران تأمل في التوصل الى تفاوض من دون ضغوط، من زاوية اخرى نرى التفاوض الذي اجرته طهران مع واشنطن في مسقط اتصف بالإيجابية وشكل خطوة الى الامام، وجاء على لسان المرشد الإيراني "علي خامنئي" بان الوفد الايراني قام بتنفيذ ما هو مطلوب منه بشكل جيد حسب تعبيره.
وبحسب تصريح عراقجي وزير الخارجية الايراني الذي جاء على هامش اجتماع مجلس الوزراء معلقًا على منشور ستيف ويتكوف المبعوث الاميركي الرئاسي في الشرق الاوسط ورئيس الوفد الامريكي مع ايران في ما يخص الملف النووي الايراني والتي قال فيها "إن ايران عليها ان توقف وتنهي برنامجها في تخصيب اليورانيوم وهذه واحدة من الخطوط الحمراء التي حددها النظام الايراني في التفاوض مع واشنطن في ما يخص الملف النووي" .
وقال محللون غربيون إن الخلافات التي تواجه الطرفين تتركز في أن إيران ترفض التفاوض في مبدأ تخصيب اليورانيوم بحسب تصريح عراقجي، ومن زاوية آخرى نرى أن إيران مستعدة لخفض نسبة اليورانيوم المخصب لديها والكمية المتاحة لها.
واضاف المحللون إن التوتر والخلاف يدور حول نسبه التخصيب بحسب نص اتفاق فينيا عام 2015 الذي نص على انه "لا يجب أن تتحاوز إيران نسبة التخصيب عن 3.67% أي أقل من 4% بينما زادت إيران التخصيب إلى أكثر من 60% اي إلى ما هو ابعد بكثير ماهو منصوص عليه في اتفاق فينيا، وأن الخلاف بالنسبة لكمية اليورانيوم المخصب والمخزن لدى إيران أن يتجاوز عن 300 كغم. ولدى الوكالة الدولية للطاقة الذرية مخاوف من أن يكون حجم اليورانيوم المخصب قد تجاوز هذه الحد بكثير، وأن لا تكون عدد أجهزة الطرد المركزي تتجاوز 5060 جهازًا للطرد المركزي، كما يجب ان توضع في مستودعات تخضع لرقابة الوكالة الدولية للطاقة الذرية، كما أن الخلاف يتضمن نوعية أجهزة الطرد المركزي التي تستخدم في عملية التخصيب. الغربيون يصرون على ان اتفاق فينيا ينص على ان وحدة الطراز القديم من أجهزة الطرد المركزي (ARi1) مسموح لإيران باستخدامها في عملية تخصيب اليورانيوم، ومحرم عليها استخدام أجهزة طرد متطورة.
إن طهران تمتلك خطوطاً حمراء من الصعب التنازل عنها مثل نسبة تخصيب اليورانيوم المستخدم للأغراض السلمية بحسب طهران، بينما تريد واشنطن تطبيق النموذج الليبي في تفكيك مفاعلات إيران النووية، وهذا الأمر ترفضه طهران، لكن طهران مستعدةٌ لتقديم ضمانات فيما يخص برنامجها النووي دون ايقافه ما يعكس صورة من التوتر تحاول طهران اخفائه، وتستخدم دبلوماسية لكسب ود واشنطن لاستمرار المفاوضات.
ويمكن القول إن المفاوضات الامريكية-الايرانية سوف تأخذ وقتا طويلا لكونها لا تقتصر فقط على البرنامج النووي الايراني وتخفيف العقوبات فحسب، بل ايضًا على اعادة رسم وصياغة صفقة إقليمية جديدة في المنطقة.